متى سيخجل العرب من حالهم وضعفهم وتفككهم وتشرذمهم،
وأصواتهم التي لا تحرك ساكناً، ولا تقدم ولا تؤخر، ولا تؤثر في تغيير
المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي العالمي؟ وداعاً لحكومات بلدان تتحرك
التنظيمات داخلها وتخطط مع حكومات خارجها من دون أن تعلم! وداعاً لحكومات
تميل إلى النفاق وعندما تسمع الصراحة والجرأة تهرب الى الصمت والمبررات
العمياء. وداعاً لشعوب أمة تحاكي القمم من عام إلى عام ولا ترى حتى
السراب! وداعاً لأمة تأبى التقلبات السياسية ان تخرج من منطقتها،
والصراعات ان تغادر أراضيها، بعد ان وجدتها خصبة وقابلة للثورات والفتن.
العالم
يتقدم من حولنا وهو يركب القطارات التي لا تتوقف عند المحطات، ويتطلع
أمامه ولا ينظر خلفه، في مقابل عالم عربي يتمطى، ولا يزال يحبو ويرفس.
ويعتقد ان كل القرارات الدولية موجهة ضده، وكلما صدر بيان ليحميه من جهل
الجاهلين، عاش عقدة «المؤامرة» التي لا وجود لها إلا في مخيلات أصحاب
العُقد، ومن يعزفون على أوتار القومية القديمة والعروبة البالية.
يعيش العالم في زمن العولمة المبني على الفلسفات الاقتصادية والتجارية
والتقاء المصالح المشتركة، ولا تزال أبواق عربية تنعق وهي «جثث هامدة»،
دول في شخوص أو شخوص في دول، يتحدثون أكثر مما ينجزون، وهم لا يفقهون طرق
وأساليب العمل السياسي الحقيقي، المبني على استراتيجيات واقعية و»أجندات»
مستقبلية.
بلدان عربية لم تستفد من دروس التاريخ ونتائج الماضي، بما يتوافق مع
متطلبات العصر وضرورات بناء الجسور، وبما يتواءم مع المصالح التي تحقق
التنمية والرفاهية لها ولشعوبها المغلوبة على أمرها.
هذه الأبواق، أو عقول هؤلاء الشخوص، أجزم بأنها تعاني من أمراض «مزمنة»،
تموت غيظاً إن لم تشعل النيران والصدامات بين بني الإنسان، لكونها لا تجيد
سوى فن الخطابة والتنظير والتأويل، وتسقط في مجال فنون الابتكار والتقليد
المحمود.
عقول تكره النظريات «الواقعية» وتنتعش بالتفسيرات «الخاطئة»، بدوافع غير دوافع أمن ومصالح شعوبها؟!
في الصين بلد البليون نسمة، الكل يكدح من الصباح حتى المساء، رغبة في
العيش الكريم ودفن الفقر بعرق الجبين، والتزود بعلوم العصر، ومحاولة
التميز عن الأسلاف بعمل «جليل جديد». وفي الهند بلد نصف البليون نسمة،
اختلافات بين الطوائف والمذاهب، لكنها «غير سائدة» والسائد هو لغة التسامح
بما لا يطمس الهوية والعقيدة.
في حين ان الشارع العربي يكتظ بوجوه المتسولين والتائهين والمشردين والمهجرين، ولا تزال نبرة بعض الحكومات كما هي منذ خمسين عاماً.
حقاً... لا يمكن رمي كل المشكلات في سلة أعمال الحكومات، بل إن كثيراً
منها، أو القسم الأكبر منها، نتاج أفعال الشعوب التي ترفض التقدم والتعلم
لمواكبة التطورات الحياتية الحديثة.
في بعض البلدان العربية، لا همَّ لمئات الآلاف من السكان إلا الجلوس على
المقاهي وتدخين «النارجيلة» واحتساء «القهوة» وعزف موال «الغيبة
والنميمة»، بدلاً من البحث عن العمل، من دون انكسار من المرة الأولى أو
الثانية أو الثالثة. لا نقول ان البلدان العربية تمنح الشعوب الحقوق كاملة
غير منقوصة، لكنها لا يمكن ان تفعل شيئاً إذا تلاشت طموحات وتطلعات ودوافع
الشعوب الحقيقية لتحقيق الابتكارات والنجاحات.
دعونا نطبق إرادة حكومات دول شرق آسيا ونفعل كما تفعل، ودعونا نعمل بجد
كما تعمل شعوبها. فمتى ترافقت الإرادة السياسية مع العمل والفعل الجاد
والتشجيع على الابتكار، وتفعيل مبدأ معاقبة المقصر ومكافأة المحسن، فسيكون
لنا شأن آخر أيها العرب! حتى لا يقول غيرنا: أشفقوا على حال العرب!
أخيراً، أستطيع ان أستنتج من الأحداث الساخنة التي جرت في المنطقة، ان
الشعوب العربية، أو باصطلاح آخر الشارع العربي، أصبح يعيش مترنحاً تحت
شعارات عفا عليها الزمن، وان رؤيته أصبحت مصادرة ومنساقة وراء أصحاب الخطط
الرنانة، فيما النظام العربي الرسمي أصبح أكثر واقعية في مواجهة الأزمات.